فصل: فَصْلٌ: تَغْيِيرُ الْعِدَّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُعْرَفُ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ:

(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يُعْرَفُ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، فَمَا يُعْرَفُ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ نَوْعَانِ: قَوْلٌ، وَفِعْلٌ.
(أَمَّا) الْقَوْلُ فَهُوَ إخْبَارُ الْمُعْتَدَّةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةٍ يَحْتَمِلُ الِانْقِضَاءُ فِي مِثْلِهَا، فلابد مِنْ بَيَانِ أَقَلِّ الْمُدَّةِ الَّتِي تُصَدَّقُ فِيهَا الْمُعْتَدَّةُ فِي إقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَمِنْ شَهْرٍ، وَنِصْفٍ إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَفِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَمِنْ شَهْرَيْنِ، وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ إنْ كَانَتْ أَمَةً وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةٍ فَكَذَلِكَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ: فَإِنْ أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ أَخْبَرَتْ فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا إذَا فَسَّرَتْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ: أَسْقَطْت سَقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَوْ بَعْضِهِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي إخْبَارِهَا عَنْ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى ائْتَمَنَهَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إنَّهُ الْحَيْضُ، وَالْحَبَلُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ كَالْمُودِعِ إذَا قَالَ: رَدَدْت الْوَدِيعَةَ، أَوْ هَلَكَتْ، فَإِذَا أَخْبَرَتْ بِالِانْقِضَاءِ فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا يُقْبَلُ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ مِمَّا لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَمِينِ إنَّمَا يُقْبَلُ فِيمَا لَا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ.
وَالظَّاهِرُ هاهنا يُكَذِّبُهَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا إذَا فَسَّرَتْ فَقَالَتْ: أَسْقَطْتُ سَقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَوْ بَعْضِ الْخَلْقِ، مَعَ يَمِينِهَا، فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا مَعَ هَذَا التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُكَذِّبُهَا مَعَ التَّفْسِيرِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي أَقَلَّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقَلُّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ الْحُرَّةُ سِتُّونَ يَوْمًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: تِسْعَةٌ، وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَخْرِيجُهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَتِلْكَ سِتُّونَ يَوْمًا، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَذَلِكَ سِتُّونَ يَوْمًا، فَاخْتَلَفَ التَّخْرِيجُ مَعَ اتِّفَاقِ الْحُكْمِ، وَتَخْرِيجُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْحَيْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَذَلِكَ تِسْعَةٌ، وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ أَمِينَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْأَمِينُ يُصَدَّقُ مَا أَمْكَنَ، وَأَمْكَنَ تَصْدِيقُهَا هاهنا بِأَنْ يُحْكَمَ بِالطَّلَاقِ فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيُبْدَأُ بِالْعِدَّةِ مِنْ الْحَيْضِ فَيُعْتَبَرُ أَقَلُّهُ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ أَقَلُّ الطُّهْرِ، وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أَقَلُّ الْحَيْضِ ثُمَّ أَقَلُّ الطُّهْرِ ثُمَّ أَقَلُّ الْحَيْضِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ تِسْعَةً، وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ، وَإِنْ كَانَتْ أَمِينَةً فِي الْأَقْرَاءِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَكِنْ الْأَمِينُ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِيمَا لَا يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ، فَأَمَّا فِيمَا يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، كَالْوَصِيِّ إذَا قَالَ: أَنْفَقْتُ عَلَى الْيَتِيمِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَلْفَ دِينَارٍ، وَمَا قَالَاهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَإِنَّمَا يُوقِعُهُ فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ، وَكَذَا حَيْضُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ نَادِرٌ، وَحَيْضُ عَشَرَةٍ نَادِرٌ أَيْضًا فَيُؤْخَذُ بِالْوَسَطِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَاعْتِبَارُ هَذَا التَّخْرِيجِ يُوجِبُ أَنَّ أَقَلَّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ سِتُّونَ يَوْمًا.
وَأَمَّا الْوَجْهُ عَلَى تَخْرِيجِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَهُوَ أَنْ يُحْكَمَ بِالطَّلَاقِ فِي آخِرِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً لَكِنْ الظَّاهِرُ هُوَ الْإِيقَاعُ فِي آخِرِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يُجَرِّبُ نَفْسَهُ فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ هَلْ يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهَا ثُمَّ يُطَلِّقُ فَكَانَ الظَّاهِرُ هُوَ الْإِيقَاعُ فِي آخِرِ الطُّهْرِ لَا أَنَّهُ يَعْتَبِرُ مُدَّةَ الْحَيْضِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّا قَدْ اعْتَبَرْنَا فِي الطُّهْرِ أَقَلَّهُ، فَلَوْ نَقَصْنَا مِنْ الْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضِ لَلَزِمَ النَّقْصُ فِي الْعِدَّةِ فَيَفُوتُ حَقُّ الزَّوْجِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُحْكَمُ بِأَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَأَقَلِّ الطُّهْرِ رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ وَاعْتِبَارُ هَذَا التَّخْرِيجِ أَيْضًا يُوجِبُ مَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَقَلّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ سِتُّونَ.
وَأَمَّا الْأَمَةُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَقَلُّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَهُوَ أَنْ يُقَدِّرَ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ فَيُبْدَأَ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَذَلِكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا.
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَأَقَلُّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ خَمْسَةٌ، وَثَلَاثُونَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيُبْدَأُ بِالْحَيْضِ عَشَرَةً ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ عَشَرَةً فَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَثَلَاثُونَ يَوْمًا فَاخْتَلَفَ حُكْمُ رِوَايَتِهِمَا فِي الْأَمَةِ وَاتَّفَقَ فِي الْحُرَّةِ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فَأَقَلُّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ إحْدَى، وَعِشْرُونَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُمَا يُقَدِّرَانِ الطَّلَاقَ فِي آخِرِ الطُّهْرِ، وَيَبْتَدِئَانِ بِالْحَيْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ ثَلَاثَةً فَذَلِكَ أَحَدٌ، وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَأَمَّا الْمُعْتَدَّةُ إذَا كَانَتْ نُفَسَاءَ بِأَنْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ، وَطَلَّقَهَا عَقِيبَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ قَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ: لَا تُصَدَّقُ الْحُرَّةُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ، وَثَمَانِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ النِّفَاسُ خَمْسَةً، وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا ثُمَّ يُحْكَمَ بِالدَّمِ فَيَبْطُلَ الطُّهْرُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الدَّمَيْنِ فِي الْأَرْبَعِينَ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ، وَإِنْ كَثُرَ حَتَّى لَوْ رَأَتْ فِي أَوَّلِ النِّفَاسِ سَاعَةً دَمًا، وَفِي آخِرِهَا سَاعَةً كَانَ الْكُلُّ نِفَاسًا عِنْدَهُ فَجَعَلَ النِّفَاسَ خَمْسَةً، وَعِشْرِينَ يَوْمًا حَتَّى يَثْبُتَ بَعْدَهُ طُهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَقَعَ الدَّمُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ خَمْسَةً حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَخَمْسَةً حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَخَمْسَةً حَيْضًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَثَمَانُونَ.
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ، فَلَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ عَشَرَةٌ حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَعَشَرَةٌ حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَعَشَرَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ مِائَةٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ، وَسِتِّينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا نِفَاسًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ يَزِيدُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ ثُمَّ يَثْبُتُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا، وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَسِتُّونَ يَوْمًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَخَمْسِينَ، وَسَاعَةٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ مَا وُجِدَ مِنْ الدَّمِ فَيُحْكَمُ بِنِفَاسِ سَاعَةٍ، وَبَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا، وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا، وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ، وَسَاعَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ، وَسِتِّينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ خَمْسَةٌ حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَخَمْسَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَسِتُّونَ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ، وَسَبْعِينَ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ عَشَرَةٌ حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَعَشَرَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَسَبْعُونَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ، وَأَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا نِفَاسًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ سَبْعَةٌ، وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ، وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَسَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ سَاعَةً نِفَاسًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَثَلَاثَةً حَيْضًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، وَثَلَاثَةً حَيْضًا فَذَلِكَ سِتَّةٌ، وَثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَسَاعَةٌ.
وَأَمَّا الْفِعْلُ فَنَحْوُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَمَا مَضَتْ مُدَّةٌ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي لَمْ تُصَدَّقْ لَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَنِكَاحُ الزَّوْجِ الثَّانِي جَائِزٌ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى التَّزَوُّجِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَحْتَمِلُ الِانْقِضَاءَ، فِي مِثْلِهَا دَلِيلُ الِانْقِضَاءِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ انْتِقَالِ الْعِدَّةِ وَتَغَيُّرِهَا:

وَأَمَّا بَيَانُ انْتِقَالِ الْعِدَّةِ، وَتَغَيُّرِهَا، أَمَّا انْتِقَالُ الْعِدَّةِ فَضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: انْتِقَالُهَا مِنْ الْأَشْهُرِ إلَى الْأَقْرَاءِ، وَالثَّانِي: انْتِقَالُهَا مِنْ الْأَقْرَاءِ إلَى الْأَشْهُرِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَحْوُ الصَّغِيرَةِ اعْتَدَّتْ بِبَعْضِ الْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَشْهُرِ إلَى الْأَقْرَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ بَدَلٌ عَنْ الْأَقْرَاءِ وَقَدْ تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُبْدَلِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ يُبْطِلُ حُكْمَ الْبَدَلِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْوُضُوءِ فِي حَقِّ الْمُتَيَمِّمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيُبْطِلُ حُكْمَ الْأَشْهُرِ فَانْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى الْحَيْضِ، وَكَذَا الْآيِسَةُ إذَا اعْتَدَّتْ بِبَعْضِ الْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا إلَى الْحَيْضِ، كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ.
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ يُقَدِّرُوا لِلْإِيَاسِ تَقْدِيرًا بَلْ هُوَ غَالِبٌ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهَا آيِسَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَأَتْ الدَّمَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً، وَأَنَّهَا أَخْطَأَتْ فِي الظَّنِّ، فَلَا يُعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ فِي حَقِّهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا بَدَلٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ.
وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَّتُوا لِلْإِيَاسِ وَقْتًا إذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ الْوَقْتَ ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَهُ الدَّمَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الدَّمُ حَيْضًا، كَالدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يَحِيضُ مِثْلُهَا، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَصَّاصُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الَّتِي ظَنَّتْ أَنَّهَا آيِسَةٌ، فَأَمَّا الْآيِسَةُ فَمَا تَرَى مِنْ الدَّمِ لَا يَكُونُ حَيْضًا.
أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُودَ الْحَيْضِ مِنْهَا كَانَ مُعْجِزَةَ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْمُعْجِزَةِ.
كَذَا عَلَّلَ الْجَصَّاصُ.
وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ انْتِقَالُ الْعِدَّةِ مِنْ الْأَقْرَاءِ إلَى الْأَشْهُرِ فَنَحْوُ ذَاتِ الْقُرْءِ اعْتَدَّتْ بِحَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَيِسَتْ تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا مِنْ الْحَيْضِ إلَى الْأَشْهُرِ فَتَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ بِالْأَشْهُرِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَيِسَتْ فَقَدْ صَارَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}، وَالْأَشْهُرُ بَدَلٌ عَنْ الْحَيْضِ فَلَوْ لَمْ تَسْتَقْبِلْ، وَثَبَتَتْ عَلَى الْأَوَّلِ لَصَارَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ أَصْلًا، وَبَدَلًا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ، وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْبَدَلِ، وَالْمُبْدَلِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَهَلَّا جَازَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ كَوْنُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بَدَلًا، وَأَصْلًا، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَفَصْلُ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَدَلِ، وَالْمُبْدَلِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُصَلِّي بَعْضَ صَلَاتِهِ قَائِمًا بِرُكُوعٍ، وَسُجُودٍ، وَبَعْضَهَا بِالْإِيمَاءِ، وَيَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْبَدَلِ، وَالْمُبْدَلِ فِي صَلَاتِهِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ مَاتَ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ أَوْ الصِّحَّةِ وَانْهَدَمَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ إذْ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الزَّوْجِيَّةِ، وَمَوْتُ الزَّوْجِ يُوجِبُ عَلَى زَوْجَتِهِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ تَرِثْ بِأَنْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ لَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ عَلَى الزَّوْجَاتِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} وَقَدْ زَالَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِالْإِبَانَةِ، وَالثَّلَاثِ فَتَعَذَّرَ إيجَابُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَبَقِيَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ عَلَى حَالِهَا.
وَإِنْ وَرِثَتْ بِأَنْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَوَرِثَتْ اعْتَدَّتْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، حَتَّى أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَرَ فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالْعَشْرِ ثَلَاثَ حِيَضٍ تَسْتَكْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ، وَرِثَتْ.
كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ، وَعَنَى بِذَلِكَ امْرَأَةَ الْمُرْتَدِّ بِأَنْ ارْتَدَّ زَوْجُهَا بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا، وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ، وَوَرِثَتْهُ.
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي امْرَأَةِ الْمُرْتَدِّ رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا ثَلَاثُ حِيَضٍ.
وَجْهُ قَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا أَوْجَبَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ عَلَى الزَّوْجَاتِ وَقَدْ بَطَلَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ إلَّا أَنَّا بَقَّيْنَاهَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ خَاصَّةً لِتُهْمَةِ الْفِرَارِ مِمَّنْ ادَّعَى بَقَاءَهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَلَأَنْ يَبْقَى فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعِدَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهَا فَكَانَ قِيَامُ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ كَافِيًا لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ احْتِيَاطًا فَيَجِبُ عَلَيْهَا الِاعْتِدَادُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ.
وَلَوْ حَمَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ فِي عِدَّتِهَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مَنْ حَمَلَتْ فِي عِدَّتِهَا فَالْعِدَّةُ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ وَقَدْ فَصَلَ مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَنْ مَاتَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ ثُمَّ حَمَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعِدَّتُهَا الشُّهُورُ، فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَنْتَقِلُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ مِنْ الْأَشْهُرِ إلَى وَضْعِ الْحَمْلِ، قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ فَحَبِلَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَعُلِمَ بِذَلِكَ فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا.
وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ أَصْلُ الْعِدَدِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وُضِعَتْ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ، وَلَا شَيْءَ أَدَلُّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ مَعَهُ مَا سِوَاهُ كَمَا تَسْقُطُ الشُّهُورُ مَعَ الْحَيْضِ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَتَغَيَّرُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ بَعْدَ الْوَفَاةِ وَلَا تَنْتَقِلُ مِنْ الْأَشْهُرِ إلَى وَضْعِ الْحَمْلِ بِخِلَافِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ.
وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِدَّتَيْنِ أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إنَّمَا وَجَبَتْ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْحَيْضِ وَكَذَا تَجِبُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَكَانَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ هُوَ الْأَشْهُرُ إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا وَقْتَ الْوَفَاةِ فَيَتَعَلَّقُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَإِذَا كَانَتْ حَامِلًا بَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ فَلَا تَنْتَقِلُ، بِخِلَافِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِاسْتِبْرَاءُ، وَوَضْعُ الْحَمْلِ أَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ سَقَطَ مَا سِوَاهُ، أَوْ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ عَلَى الْخُصُوصِ وَهِيَ الَّتِي حَبِلَتْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَذِكْرُ الْعَامِّ عَلَى إرَادَةِ الْخَاصِّ مُتَعَارَفٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ: إنَّهَا إذَا حَبِلَتْ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا حَبِلَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَقَدْ حَكَمْنَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَ الْوَضْعِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فِي عِدَّتِهَا فَيُحْكَمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

.فَصْلٌ: تَغْيِيرُ الْعِدَّةِ:

وَأَمَّا تَغْيِيرُ الْعِدَّةِ فَنَحْوُ الْأَمَةِ إذَا طَلُقَتْ ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا تَتَغَيَّرُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ، فَهَذِهِ حُرَّةٌ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهِيَ زَوْجَتُهُ فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ كَمَا إذَا عَتَقَهَا الْمَوْلَى ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا لَا تَتَغَيَّرُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَتَغَيَّرُ فِيهِمَا جَمِيعًا.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِدَّةِ هُوَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا النُّقْصَانُ بِعَارِضِ الرِّقِّ فَإِذَا أُعْتِقَتْ فَقَدْ زَالَ الْعَارِضُ وَأَمْكَنَ تَكْمِيلُهَا فَتَكْمُلُ، وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ أَوْجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةَ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ وَالْإِعْتَاقُ وُجِدَ وَهِيَ مُبَانَةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ فَوُجِدَ الْإِعْتَاقُ وَهِيَ زَوْجَتُهُ فَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَمْلُوكَةً وَقْتَ الْإِيلَاءِ ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَنَّهُ تَنْقَلِبُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ وَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ طَلَاقًا بَائِنًا، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجْعِيِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ فِي الْإِيلَاءِ لَا تَثْبُتُ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَكَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً لِلْحَالِ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ بِأَنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ رَجْعِيًّا ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى، وَهُنَاكَ تَنْقَلِبُ عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْحَرَائِرِ فَكَذَا مُدَّتُهَا هَاهُنَا، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ لِلْحَالِ وَقَدْ وَجَبَتْ عِدَّةُ الْإِمَاءِ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِالْعِتْقِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ إذَا رَاجَعَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: إنَّهَا تُكْمِلُ الْعِدَّةَ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ عَنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَا عَنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِي طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ، وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِي طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ إنْشَاءَ النِّكَاحِ بَلْ هِيَ فَسْخُ الطَّلَاقِ وَمَنْعُهُ عَنْ الْعَمَلِ بِثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَانَتْ مُطْلَقَةً بِالطَّلَاقِ الثَّانِي بَعْدَ الدُّخُولِ فَتَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}.
وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى لِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا لَهُ لِقِيَامِ فِرَاشِ الزَّوْجِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَإِنْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى صَادَفَهَا وَهِيَ فِرَاشُ الزَّوْجِ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ، وَطَلَاقُ الزَّوْجِ صَادَفَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَوَّلًا ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا تَتَغَيَّرُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا لَا تَتَغَيَّرُ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَعَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ عَادَ فِرَاشُ الْمَوْلَى ثُمَّ زَالَ بِالْمَوْتِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ لِزَوَالِ الْفِرَاشِ، كَمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ فَالْأَمْرُ لَا يَخْلُو: إمَّا إنْ عُلِمَ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَإِمَّا أَنْ لَا يُعْلَمَ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو: إمَّا إنْ عُلِمَ كَمْ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا وَإِمَّا إنْ لَمْ يُعْلَمْ: فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ مَاتَ أَوَّلًا وَعُلِمَ أَنَّ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ مُدَّةُ عِدَّةِ الْأَمَةِ فِي وَفَاةِ الزَّوْجِ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الْوَفَاةِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ الْمَوْلَى وَذَلِكَ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَكَذَلِكَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ مُدَّةُ عِدَّةِ وَفَاةِ الزَّوْجِ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى لَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّةِ الزَّوْجِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ زَوْجٍ فَلَمْ تَكُنْ فِرَاشًا لِلْمَوْلَى فَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا أُعْتِقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا: فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ بَيْنَ مَوْتِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٌ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَرَ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ تَسْتَكْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا أَمَةٌ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ مِنْ زَوْجِهَا الْمُتَوَفَّى هَذَا الْقَدْرُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَوَجَبَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ عِدَّةُ الْمَوْلَى.
وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا فَقَدْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لَهُ، وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ مَوْلَاهَا تَجِبُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَلَمَّا مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَقَدْ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَوَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ فِي الْوَفَاةِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَإِذًا فِي حَالٍ يَجِبُ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَثَلَاثُ حِيَضٍ، وَفِي حَالٍ يَجِبُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَالشَّهْرَانِ يَدْخُلَانِ فِي الشُّهُورِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا احْتِيَاطًا، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا حَالَ هاهنا لِوُجُوبِ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا لَمْ يَجِبْ بِمَوْتِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا تَحْتَ زَوْجٍ، فَإِذَا مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا وَجَبَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّةِ الزَّوْجِ فَلَمْ تَكُنْ فِرَاشًا لَهُ، فَإِذًا فِي حَالٍ يَجِبُ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَقَطْ، وَفِي حَالٍ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ فَأَوْجَبْنَا الِاعْتِدَادَ بِأَكْثَرِ الْمُدَّتَيْنِ احْتِيَاطًا فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَلَمْ يُعْلَمْ أَيْضًا كَمْ بَيْنَ مَوْتِهِمَا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ لَا حَيْضَ فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الزَّوْجَ مَاتَ أَوَّلًا وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا فَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَيَجِبُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَيُرَاعَى فِيهِ الِاحْتِيَاطُ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ وَالْحَيْضِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وَهَذَا تَقْدِيرٌ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ أَمْرَيْنِ حَادِثَيْنِ لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُ مَا بَيْنَهُمَا أَنْ يُحْكَمَ بِوُقُوعِهِمَا مَعًا كَالْغَرْقَى وَالْحَرْقَى وَالْهَدْمَى، وَإِذَا حُكِمَ بِمَوْتِ الزَّوْجِ مَعَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَكَانَتْ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ فَلَمْ يَكُنْ لِإِيجَابِ الْحَيْضِ حَالٌ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا تَزَوَّجَ أُمَّ الْوَلَدِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى وَلَا يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَلَا كَمْ بَيْنَ مَوْتَيْهَا فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِمَا مَعًا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا فَنَفَذَ النِّكَاحُ لِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ فَجَازَ نِكَاحُهَا بِعِتْقِهَا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَوَجَبَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْمَوْلَى ثَلَاثُ حِيَضٍ فَوَجَبَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ احْتِيَاطًا، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا مَا لَا تَحِيضُ فِيهِ حَيْضَتَيْنِ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا حَيْضَتَانِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْمَوْلَى قَدْ سَقَطَتْ، سَوَاءٌ مَاتَ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا إذَا كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا مَا لَا تَحِيضُ فِيهِ حَيْضَتَيْنِ وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي عِدَّةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا فَعَتَقَتْ نَفَذَ نِكَاحُهَا بِعِتْقِهَا فَوَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ بِالْوَفَاةِ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا وَجَبَ عَلَيْهَا حَيْضَتَانِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا، وَلَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا فَعَتَقَتْ فَنَفَذَ نِكَاحُهَا فَلَمَّا مَاتَ الزَّوْجُ وَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الشُّهُورِ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الشُّهُورِ وَالْحِيَضِ احْتِيَاطًا.
وَلَوْ اشْتَرَى الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَأَعْتَقَهَا فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ حَيْضَتَانِ مِنْ النِّكَاحِ تَجْتَنِبُ فِيهِمَا مَا تَجْتَنِبُ الْمَنْكُوحَةُ وَحَيْضَةٌ مِنْ الْعِتْقِ لَا تَجْتَنِبُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا فَقَدْ فَسَدَ نِكَاحُهَا وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَصَارَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا فَإِذَا أَعْتَقَهَا صَارَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ كَوْنِهَا مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ هُوَ إبَاحَةُ وَطْئِهَا وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَظَهَرَ حُكْمُ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَيَجِبُ عَلَيْهَا حَيْضَتَانِ مِنْ فَسَادِ النِّكَاحِ وَهُمَا مُعْتَبَرَانِ مِنْ الْإِعْتَاقِ أَيْضًا، وَعِدَّةُ النِّكَاحِ يَجِبُ فِيهَا الْإِحْدَادُ، وَأَمَّا الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ مِنْ الْعِتْقِ خَاصَّةً.
وَعِدَّةُ الْعِتْقِ لَا إحْدَادَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَكَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ سَبَبٌ لِحِلِّ الْوَطْءِ فِي الْأَصْلِ لَا لِمَانِعٍ، وَمَاؤُهُ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا لِوَطْئِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ جَدَّدَ النِّكَاحَ فَإِذَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا سَقَطَ عَنْهَا الْإِحْدَادُ فَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ قَبْلَ الْعِتْقِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ النِّكَاحِ وَتَعْتَدُّ فِي الْعِتْقِ ثَلَاثَ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَهِيَ مُعْتَدَّةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِذَا مَضَتْ الْحِيَضُ بَعْدَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ تَعْتَدُّ بِهَا فَإِذَا أَعْتَقَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا بِالْعِتْقِ عِدَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً فَأَدَّتْ الْمُكَاتَبَةُ فَسَدَ النِّكَاحُ قَبْلَ الْمَوْتِ بِلَا فَصْلٍ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ فَسَادِ النِّكَاحِ حَيْضَتَانِ إذَا كَانَتْ لَمْ تَلِدْ مِنْهُ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا، أَمَّا فَسَادُ النِّكَاحِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِلَا فَصْلٍ فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً فَأُدِّيَ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَإِذَا أُعْتِقَ مَلَكَهَا الْآنَ فَفَسَدَ نِكَاحُهَا.
وَأَمَّا وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا حَيْضَتَانِ فَلِأَنَّهَا بَانَتْ وَهِيَ أَمَةٌ فَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ فَعَلَيْهَا تَمَامُ ثَلَاثِ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَيَجِبُ عَلَيْهَا حَيْضَتَانِ بِالنِّكَاحِ وَالْعِتْقِ وَحَيْضَةٌ بِالْعِتْقِ خَاصَّةً، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُ فَعَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ عَاجِزًا لَمْ يَفْسُدْ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا فَلَمْ يَمْلِكْهَا فَمَاتَ عَنْ مَنْكُوحَتِهِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ أَمَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ عِدَّةُ الْأَمَةِ فِي الْوَفَاةِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الدُّخُولُ وَعَدَمُ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ سَعَتْ وَسَعَى وَلَدُهَا عَلَى نُجُومِهِ.
فَإِنْ عَجَزَا فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ لِمَا بَيَّنَّا فَإِنْ أَدَّيَا عَتَقَا وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ كَانَ الْأَدَاءُ فِي الْعِدَّةِ فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ مُسْتَأْنَفَةٍ مِنْ يَوْمِ عَتَقَا يَسْتَكْمِلُ فِيهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ مَاتَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا تَرَكَ وَلَدًا وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَاكْتَسَبَ الْوَلَدُ وَأَدَّى يُحْكَمُ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ فِي الْحَالِ وَيُسْتَنَدُ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَقَدْ مَاتَ عَاجِزًا فِي الظَّاهِرِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ مَعَ الْعَجْزِ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ لِلْحَالِ ثُمَّ يُسْتَنَدُ فَيُعْتَقُ بِعِتْقِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْحَيْضُ بَعْدَ الْعِتْقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَالدَّيْنُ وَهُوَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ يَنْتَقِلُ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى الْمَالِ فَيَمْنَعُ ظُهُورَ الْعَجْزِ فَإِذَا أَدَّى يُحْكَمُ بِسُقُوطِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ وَسَلَامَتِهِ لِلْمَوْلَى فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيُعْتَقُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَعِنْدَ زُفَرَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَيُجْعَلُ الْوَلَدُ إذَا أَدَّى كَالْكَسْبِ إذَا أَدَّى عَنْهُ وَالْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ أَدَّيَا فَعَتَقَا بَعْدَمَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالشَّهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ مُسْتَقْبَلَةٍ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ لَمَّا انْقَضَتْ تَجَدَّدَ وُجُوبُ عِدَّةٍ أُخْرَى بِالْعِتْقِ فَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِهَا.
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ مِنْهَا وَمَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً مِنْ دُيُونٍ لَهُ أَوْ مَالٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ فِي شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ يُؤَدَّى الْمَالُ فَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ أَوْ يَنْوِي فَيُحْكَمُ بِعَجْزِهِ فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِدَّتَيْنِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ بِنْتَ مَوْلَاهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَمَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَفَاءً فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عِنْدَنَا لَا يَفْسُدُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، فَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ مَنْكُوحَتِهِ الْحُرَّةِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَاجِزًا فَمَلَكَتْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالْفُرْقَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا.